الزواج ظاهرة اجتماعية، حظيت باهتمامات الإنسان منذ القدم ورعتها الأديان والملل، أحاطتها بسياج من التقديس والتشجيع فسنت لها الشرائع والنظم، وباركتها النواميس الروحية، وذلك لأنها تمثل القاعدة الهرمية في التماسك الاجتماعي فعن طريقها يصل الإنسان الى شاطئ الاستقرار، وغلى صعيدها يقوم بناء الأسرة وتتلاحم الروابط الاجتماعية.
وقد خلفت المجتمعات الإنسانية ميراثا ضخما من العادات والتقاليد، حيث تشكلت لكل مجتمع عاداته وتقاليده الخاصة، التي تعطيه شخصية مستقلة وتميزه عن المجتمعات الأخرى، ومجتمعنا في الخليج العربي له عاداته وتقاليده الخاصة في الزواج وتكاد تكون موحدة الصورة والإطار، وان اختلفت خطوطها في بعض المناطق اختلافا جزئيا.
لكل مجتمع عادات وتقاليد يتبعها في أموره الحياتية المختلفة فالمناطق الباردة تختلف عن المناطق الحارة والمناطق الصحراوية تختلف عن الساحلية في عاداتها وممارسة حياتها ومن ضمن هذه العادات والتقاليد الأعراس والزيجات التي كانت سائدة في المجتمع آنذاك فالمجتمع القطيفي كانت له عادات تميزه عن غيره فنجدها في المدن والقرى في محافظة القطيف واحدة وان اختلفت فإن الاختلاف بشيء بسيط فقط وهذه العادات والتقاليد شبيهة أيضاً بعادات وممارسات الزواج في الساحل الشرقي للخليج العربي قد نسميها كثير منها ثوابت لا تتغير في أي بقعة في الخليج العربي وهناك ما هو متغير بينهم.
فالمجتمع القطيفي كان يتحلى بعادات وتقاليد مميزة تطورت عبر الزمن حتى وصلت إلى ما نحن عليه من العادات المختلفة والمتنوعة والغريبة أحياناً في بعض الأماكن.
كان المجتمع في محافظة القطيف يتميز بعادات متنوعة منها ما هو متشابه مثل الزواج المبكر والذي يتراوح عمر الزوج ما بين 14 سنة و20 سنة وأما الزوجة فيتراوح عمرها ما بين 12 سنة و18 سنة ويكون الزواج في الأغلب من الأقارب بنت العم أو العمة أو الخال أو الخالة أو أحد الأقارب ولا يرى الزوج زوجته إلا ليلة الدخلة ومدة العقد لا تطول .
الخطبة : يتم اختيار الزوجة عن طريق أم الزوج أو أحد أقاربه. ويتم الذهاب إلى منزل البنت المقصودة فتجلس النساء مع النساء ، والرجال مع الرجال فيخطبون البنت لابنهم ، فيقولون مثلاً : ( جايين نخطب كريمتك ) وبعد موافقة الأب يتفقوا في ليلتهم على المهر المحدد ، وقد يكون هناك بعض الشروط البسيطة التي تضاف إلى المهر . هذا وتختلف قيمة المهر اختلافاً كبيراً حسب الزمن سعته وضيقه ، فكان يتراوح أحياناً بين 10-100 ربية أو 40 ريالا وقلة تمر. وبعد الإجابة تخبر البنت إخبارًا ولا تستشار في العادة ، ولا الولد كذلك ، أما اعتراض الولد على اختيار أبويه فقليلاً ما يحدث .
ويؤتى في ليلة أخرى بالمهر ملفوفاً في قماشة جميلة وليس معه شيء أما فترة الخطوبة فهي بسيطة وفي مدة قصيرة جداً من أسبوع إلى عدة أسابيع و .. لا يرى الخطيب مخطوبته أو يتصل بها بأي شكل من الأشكال. ويقدم لأهل الزوجة بعد الموافقة بعض الحاجيات وهي مصاريف نثرية يقدمها أهل الزوج لأهل الزوجة وهذه المصاريف تثقل كاهل الزوج وأهله حيث التقاليد أن والد الفتاة لا يصرف شيئا من جيبه إلا ما ندر وهنا تختلف بين منطقة وأخرى في محافظة القطيف ومما يقدم مثل الملابس والسكر والتمر والتبغ واللوز والفحم والمرطبات والحناء وبعض المناطق السمك وهذا يعتبر إعلانا للمجتمع عن الخطبة والعقد .
في البداية تقدم ما يسمى مصاريف نثرية ، تقدم لبيت الزوجة وهي : كمية من السمك لتوزيعها مع أكياس اللوز - باللهجة القطيفة البيدان - مضافا إلى السكر ، والرز والتبغ إلى غير ذلك من التموينات كالخراف ، والفحم ، والمرطبـات ، واليرنـأ ، أي الحناء ، هذا غير الصداق الذي يدفع نقدا كلٌ حسب طاقته المادية ، إلى ما يماثله مما يثقل كاهل الزوج ، أو والده ، حيثُ إِنَّ العرف هنا يقضي بأن آباء الزوجات لا ينفقون شيئاً من جيوبهم ، إلا قلة منهم نادرة كبعض الآباء يصرفون ما يعادل صداق بناتهم، أو يزيدون على ذلك.
وكانت سابقاً توجه الدعوات للاحتفال بالزيجات عن طريق شخص يستأجره المسؤول عن هذا الزواج بأجر معيـن ، يمر على البيوت بيتاً بيتاً فيدعوهم للاحتفال ، مأدبة العشاء ، ومثل ذلك، تقوم إمرأة بالطواف على البيوت لدعوة النساء للاحتفال النسائي ، و مأدبة العشاء . وقد تبدلت هذه الدعوات عن طريق البطاقات المزخرفة ، والمطبوعة الّتي تكلف مبلغاً من المال، ولا سيما إذا كانت مُذَّهبةً ، ويقوم بتوزيعها أشخاص يمرون على بيوت المدعوين ، ولعل هذا التطور في هذا الأسلوب لتطور الحياة أولاً ، ولوجود المادة ثانياً.
ثم يذهب بالعروس لأحد الحمامات الشعبية من قبل مجموعة من النساء وقريباتها من الأنساب وذلك للاستحمام وتقام بعد ذلك ثلاث ليالي ما يسمى الجلوات ويستأجر للفتاة الخاضبة التي تمارس وضع ونقش الحنة للفتاة حيث تزخرف أقدام وأيادي الفتاة بالحناء وبزخارف ونقوش متعددة وتزين بذلك أياديها وأقدامها كما تصبغ أيضاً أيادي أو أرجل أقارب الفتاة وينشد أقاربها قصائد معروفة ويقرأن سيرة الحبيب محمد ويكون هذا سائدا في المجتمع وتكون الفتاة كالزهرة المنكمشة من شدة الحياء بسبب إقبالها على مرحلة جديدة في حياتها .
وتعطى هذه الخاضبة أو المحنية بعض النقود مقابل ما تقوم به للفتاة وأقاربها من وضع للحناء والنقوش في الأيادي والأرجل . وتنثر الورود والياسمين والريحان ويدار بالبخور والماء الورد
وفي عصر يوم زفافها تكون كالنجمة المضيئة بين نجمات أخريات وهنا تكون كالقمر المشع في ليلة 14 وتحفها الفتيات وهن ينشدن عدة أناشيد ويمسكن بعض منهن أطراف ما يسمى بالمشمر وهو قطعة من القماش تضع فوق رأس الفتاة يرفعنهن وينزلنه عدة مرات وتكون الفتاة وقت ذلك مستعدة للذهاب لبيت زوجها .
وبعد هذه المراسيم تكون ليلة الدخلة فتزف لزوجها وهي لا بسة الثوب الفضفاض المبرقش وتكون لابسة أثمن الحلي من أساور وأقراط في أذنيها وخلاخل وكل ذلك من الذهب ويكون في وسطها حزام من حرير وييسرها أقاربها للوصول إلى غرفتها وهم في موكب لن يتكرر عليها وكأنها ملكة تملك كل من حولها وترمى الورود والرياحين حتى تصل لفراشها مع زوجها والزغاريد والتصفيق والتهليل المتعددة ويكون البكاء أحياناً سواء من قبل الفتاة أو الأم وذلك لمغادرتها لحياة الزوجية وترك بيت والدها .
يكون الاستعداد من قبل الرجل على إعداد الولائم بعكس الفتاة التي تهتم بجمالها وبدنها أكثر فقبل يوم الزفاف يحلق الزوج شعر رأسه ويعدل لحيته عند الحلاق ثم يذهب بالرجل للاستحمام في إحدى الحمامات الشعبية ويقوم زملاؤه بفركه بليفة النخل لتنظيفه وجعل بدنه يلمع وبعد الانتهاء يلبس العريس ثوبه الأبيض وغترته البيضاء والبشت المزخرفة الأطراف ويده لا تخلو من سبحة يسبح الله فيها وبعض المناطق يركب الزوج فرسا أو خيلا ثم يأتي لمكان التجمع ويقومون بقراءة الأناشيد الدينية وسيرة الرسول الأكرم ويدار بالورد والبخور والماء الورد والشاي والقهوة وفي بعض المجتمعات النارجيلة.
وكذلك في نفس اليوم يأتي المدعوون للحفل وتضع الولائم نهاراً في الغذاء وعشاءً ويكون الطبخ على الأخشاب من قبل أهل الزوج. وبعد العشاء يتم قراءة المولد ـ كما قد يقرأ عصراً أيضاً ـ والمولد عبارة عن سيرة زواج النبي محمد "ص"; تتخلل السيرة بعض القصائد في مدح الرسول"ص";، ويكون العريس حاضراً منذ بدء القراءة لابساً حلته عبارة عن ثوب جديد ، وغترة مع عقال ، والبشت ( العباءة التي تلبس على الأكتاف ) وبيده عصا خيزران قوية وسبحة من الكهرمان الأبيض الجميل ، وفي نهاية المولد الذي لا يطول كثيراً يُزَف العريس ، وتبدأ مراسيم الزفاف بالتكبير أربع مرات ، ثم ترديد التسبيح بشكل جماعي وهو قول : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر »، ويتخلل ذلك الصلاة على النبي"ص";حتى الوصول إلى المسجد حيث يصلي العريس ركعتين ، ثم يتواصل الزفاف حتى المنزل ، حيث يسبق ذلك زفاف العروس إلى منزل زوجها ، وهناك يُستقبل العريس استقبالاً حافلاً من قبل النساء بالغناء والتصفيق والزغردة والصلاة على النبي محمد ( ص ) حتى يصل إلى غرفة عروسه.
أي دخول العروسين وهي آخر مرحلة، وقد تتم بعد المرحلة الثانية مباشرة وهناك تجري الاحتفالات على قدم وساق، فبالنسبة للعروس فإنها قبل الدخول بثلاثة أيام يجري الاحتفال «بغسالتها» أي باستحمامها فتذهب معها الداية في الصباح برفقة أقاربها وجيرانها ومعارفها الى إحدى العيون وعلى طول الطريق يرددون الأغاني والأهازيج وتقوم الداية بتوزيع العذرة في الزوايا والمنعطفات والترع، وابتداء من مساء ذلك اليوم تجري الاحتفالات بليالي الحناء الثلاث حيث تجلس العروس في صدر القاعة على مشهد من المتفرجات فتتجلى في أبهى حليها وحللها ويوضع في حجرها راس قند، وتقوم «النقاشة» الأخصائية بوضع العجين في كفيها وقدميها في المواضع التي تريدها ان تبقى بيضاء، ثم تغمسها بالحناء آخر الأمر، وتتكرر العملية في الليلة الثانية والثالثة على التوالي حتى يصبح لون الحناء ضاربا الى السواد وكل ذلك يتم على عزف الطبول والدفوف والرقص وترديد الأهازيج الشعبية والزغاريد والتهاليل.
وفي عصر اليوم الذي يسبق ليلة الدخول يحتفل بالخضاب على غرار الليالي السابقة فتجلى العروس في أروع زينتها اكثر من أي وقت مضى وتقوم الخضابة المتخصصة بنقش كفي العروس وقدميها بمادة سوداء تسمى «الخضاب» وفي المساء وقبل ان تزف الى العريس يجري الاحتفال بمراسيم (التريمبو) فيضعنها في وسط الصالة وينشرن فوقها رداء من الحرير حيث تمسكه اربع نساء كل واحدة بطرف من زواياه الأربع ثم يرفعنه وينزلنه وهن يرددن أهزوجة متداولة مطلعها: (واترمبو واليومي). ثم تزف الى غرفة الدخول وتبقى دايتها بجوارها مع ثلة من أقاربها في انتظار فارس الأحلام.
وفي صباح ليلة الزفاف يُعمل فطور خاص للعريسين عبارة عن عصيدة بالدهن ، أو أكلة شعبية تسمى ( ممروس ) مصنعة من ثمرة الرطب والسمن والدقيق . أما الزائرون فيعطى لهم فطور خاص عبارة عن الحلوى مع الخبز العربي والقهوة ، أما الشاي فلم يعرف إلا لاحقاً ، كذلك تقدم أشربة ساخنة أخرى كشراب الليمون الأسود ( لومي عماني ) أو الزنجبيل الساخن ، ويُخدم العريسان سبعة أيام كاملة ، حيث يجلس العريس لاستقبال المهنئين في تلك الأيام صبحاً وعصراً وليلاً مخدوماً من دويه ، ثم بعد الأسبوع يعود إلى عمله .